إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا" متفق عليه.    جاء الشرع الشريف مرغبا في حسن المعاملة مع الأفراد والجماعات ؛ فحث على اختيار الرفقاء الصالحين ونفر من قرناء السوء، ورغب في زيارة الإخوان والأنس بهم، وأخبر بأن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أفضل من صاحب العزلة؛ فإن الأول ينفع الناس ويرشدهم، ويتحمل ما ناله في ذات الله من إساءة وضرر.       إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا، وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه" متفق عليه.
إبهاج المؤمنين بشرح منهج السالكين وتوضيح الفقه في الدين (الجزء الثاني)
208668 مشاهدة
اليمين المنعقدة

وإذا حنث في يمينه - بأن فعل ما حلف على تركه، أو ترك ما حلف على فعله- وجبت عليه الكفارة: عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد صام ثلاثة أيام.
وعن عبد الرحمن بين سمرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير متفق عليه . وفي الحديث: من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه رواه الخمسة .
ويرجع في الأيمان إلى: نية الحالف ثم إلى السبب الذي هيج اليمين، ثم إلى اللفظ الدال على النية والإرادة.
إلا في الدعاوى بم ففي الحديث: اليمين على نية المستحلف رواه مسلم .
.


قوله: (وإذا حنث في يمينه- بأن فعل ما حلف وعلى تركه، أو ترك ما حلف على فعله ... الخ):
هذه هي اليمين المنعقدة، وهي: ما عزم عليه، قال تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة: 225 وقال تعالى: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ المائدة: 89 يعني باليمين التي يحلفها ويعقد عليها وتكون على أمر مستقبل، فهذه فيها كفارة.
فإذا حلف لا يكلم فلانًا وقد عقد قلبه على ذلك، فإن كلمه فعليه كفارة، وإذا حلف لا يأكل من هذا الطعام، أو لا يركب هذه السيارة، أو لا يدخل هذا البيت، أو لا يلبس هذا الثوب، أو لا يسافر في هذا الشهر، واحتاج إلى فعل ذلك؛ فإن هذه يمين منعقدة تدخلها الكفارة، وعليه أن يكفر إذا فعل ما حلف عليه، قال تعالى: فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ المائدة: 89 هذه الثلاث مخير بينها، إما أن يعتق رقبة، أو يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم.
أما الإطعام فإنه يكون من أوسط طعام أهله، فإذا كان كثر طعام أهله الأرز واللحم أطعم منه، وإذا كان أكثر طعام أهله البر أطعم منه، وإذا كان أكثر طعام أهله اللحم أطعم منه.
فالحاصل: من أوسط ما تطعمون، لا من الأعلى ولا من الأردأ، فإذا لم يجد لفقره فصيام ثلاثة أيام، وفي قراءة ابن مسعود: فصيام ثلاثة أيام متتابعات ، فلذلك يتأكد أن يصومها متتابعة.
قوله: (وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر عن يمينك، وائت الذي هو خير ):
وفي ذلك أيضا حديث أبي موسى: إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير فإذا حلفت ألا تكلم أخاك فإن هذا حرام فكفر عن يمينك وكلمه، وإذا حلفت ألا تزور فلانًا وله حق الزيارة فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير، ولا تقل: قد حلفت، بل افعل الخير وكفر عن يمينك.
وكذلك إذا حلفت ألا تبر فلانا أو لا تجيب دعوته مثلا، أو حلفت ألا تتصدق في هذا اليوم ورأيت من هو مستحق للصدقة؛ كفر عن يمينك وتصدق.
أو حلفت ألا تصوم في هذا الشهر ورأيت أن صيامه فاضل أو نحو ذلك، فإنك تكفر عن يمينك وتفعل الذي هو خير.
قوله: (وفي الحديث: من حلف على يمين فقال: إن شاء الله، فلا حنث عليه ):
لأن قوله: إن شاء الله يعتبر استثناء فلا تنعقد اليمين، فإذا لم يقل: إن شاء الله فإنه تلزمه الكفارة، فقوله تعالى: إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ القلم: 17، 18 لم يقولوا: إن شاء الله، حلفوا أن يصرموا بستانهم مصبحين، فجعل الله هذا ذنبًا.
وقال تعالى: وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ الكهف: 23، 24 لا تقل: سأسافر غدًا، قل: إن شاء الله.

قوله: (ويرجع في الأيمان إلى: نية الحالف):
فلو مثلا حلف أن يقضي دين فلان بعد خمسة أيام، أو حلف أن يقضيه يوم الجمعة مثلا، ثم قضاه قبل يوم الجمعة أو بعد ثلاثة أيام، فهل يحنث في هذه الحالة؟ الجواب: لا يحنث؛ لأنه ما أراد إلا السرعة، فلا حنث عليه ويرجع إلى نيته.
وهكذا لو قال: والله لا أكلم فلانًا وأراد بالكلام هنا الكلام السيئ، السباب ونحوه ولم يرد السلام؛ فإنه لا يحنث، ويرجع إلى نيته، وكذلك إذا قال: والله لا أطعم لفلان لقمة ثم أخذ منه هدية أو نحو ذلك، فإنه يحنث؛ لأنه أراد بذلك قطع منته.
قوله: (ثم إلى المسبب الذي هيج اليمين):
يعني: يرجع إلى السبب الذي هيج اليمين، فلو خاصمه أحد وقال: والله لا أدخل بيتك ثم انتقل هذا الشخص إلى بيت ثان فإنه لا يجوز أن يدخل هذا البيت الثاني أيضا؛ لأنه ما هيج اليمين إلا صاحب البيت والبيت لا دخل له في هنا الأمر.
قوله: (ثم إلى اللفظ الدال على النية والإرادة):
فإذا حلف ألا يأكل من لحم هذه السخلة ثم إن السخلة أصبحت شاة فلا يأكل من لحمها؛ لأنها نفس العين التي حلف عليها.
وهكذا لو قال: والله ما آكل من بسر هذه النخلة أو من رطبها ثم أصبح تمرًا أو

خلاّ، فإنه يحنث؛ لأنه عين النخلة.
وهكذا لو قال: والله لا ألبس هذا الثوب ثم إن هذا الثوب شقق وأصبح سراويل فإنه لا يلبسه؛ لأنه عين الثوب.
قوله: (إلا في الدعاوى؛ ففي الحديث: اليمين على نية المستحلف ):
ويستثنى من ذلك الدعاوى فإنه يرجع فيها إلى نية المستحلف، والمستحلف هو صاحب الحق، فإذا قال مثلا: احلف ما لك عندي شيء، فحلف قال: والله مالك عندي شيء، وقال في قلبه: نيتي المال، وجعل كلمة شيء: تختص بالمال؛ ولا تدخل فيها الحقوق، كحد القذف وغير ذلك، مع أن المستحلف أراده أن يحلف على الجميع؛ فإنه يحنث، ويعتبر فاجرًا إذا حلف ولو تأول.